سورة الطور - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
وهو متصل بقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ} [الطور: 30] وتقديره على ما ذكرنا أتقولون كاهن، أم تقولون شاعر، أم تقوله.


{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)}
ثم قال لبطلان جميع الأقسام {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صادقين} أي إن كان هو شاعراً ففيكم الشعراء البلغاء والكهنة الأذكياء ومن يرتجل الخطب والقصائر ويقص القصص ولا يختلف الناقص والزائد فليأتوا بمثل ما أتى به، والتقول يراد به الكذب. وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن التفعل للتكلف وإراءة الشيء وهو ليس على ما يرى يقال تمرض فلان أي لم يكون مريضاً وأرى من نفسه المرض وحينئذ كأنهم كانوا يقولون كذب وليس بقول إنما هو تقول صورة القول وليس في الحقيقة به ليعلم أن المكذب هو الصادق، وقوله تعالى: {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} بيان هذا أنهم كانوا في زمان نزول الوحي وحصول المعجزة كانوا يشاهدونها وكان ذلك يقتضي أن يشهدوا له عند غيرهم ويكونوا كالنجوم للمؤمنين كما كانت الصحابة رضي الله عنهم وهم لم يكونوا كذلك بل أقل من ذلك لم يكونوا أيضاً وهو أن يكونوا من آحاد المؤمنين الذين لم يشهدوا تلك الأمور ولم يظهر الأمر عندهم ذلك الظهور.
وقوله تعالى: {فَلْيَأْتُواْ} الفاء للتعقيب أي إذا كان كذلك فيجب عليهم أن يأتوا بمثل ما أتى به ليصحح كلامهم ويبطل كلامه وفيه مباحث:
الأول: قال بعض العلماء {فَلْيَأْتُواْ} أمر تعجيز بقول القائل لمن يدعي أمراً أو فعلاً ويكون غرضه إظهار عجزه، والظاهر أن الأمر هاهنا مبقي على حقيقته لأنه لم يقل: ائتوا مطلقاً بل إنما قال: ائتوا إن كنتم صادقين، وعلى هذا التقدير ووجود ذلك الشرط يجب الإتيان به وأمر التعجيز في كلام الله تعالى قوله تعالى: {إِنَّ الله * يَأْتِى بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} [البقرة: 258] وليس هذا بحثاً يورث خللاً في كلامهم.
الثاني: قالت المعتزلة الحديث محدث والقرآن سماه حديثاً فيكون محدثاً، نقول الحديث اسم مشترك، يقال للمحدث والقديم، ولهذا يصح أن يقال هذا حديث قديم بمعنى متقادم العهد لا بمعنى سلب الأولية وذلك لا نزاع فيه.
الثالث: النحاة يقولون الصفة تتبع الموصوف في التعريف والتنكير، لكن الموصوف حديث وهو منكر ومثل مضاف إلى القرآن والمضاف إلى المعرف معرف، فكيف هذا؟ نقول مثل وغير لا يتعرفان بالإضافة وكذلك كل ما هو مثلهما والسبب أن غير أو مثلاً وأمثالهما في غاية التنكير، فإنك إذا قلت ما رأيت شيئاً مثل زيد يتناول كل شيء فإن كل شيء مثل زيد في كونه شيئاً، فالجماد مثله في الجسم والحجم والإمكان، والنبات مثله في النشوء والنماء والذبول والفناء، والحيوان مثله في الحركة والإدراك وغيرهما من الأوصاف، وأما غير فهو عند الإضافة ينكر وعند قطع الإضافة ربما يتعرف فإنك إذا قلت غير زيد صار في غاية الإيهام فإنه يتناول أموراً لا حصر لها، وأما إذا قطعته عن الإضافة ربما تقول الغير والمغايرة من باب واحد وكذلك التغير فتجعل الغير كأسماء الأجناس، أو تجعله مبتدأ وتريد به معنى معيناً.
الرابع: {إِن كَانُواْ صادقين} أي في قولهم: {تَقَوَّلَهُ} [الطور: 33] وقد ذكرنا أن ذلك راجع إلى ما سبق من أنه كاهن وأنه مجنون، وأنه شاعر، وأنه متقول، ولو كانوا صادقين في شيء من ذلك لهان عليهم الإتيان بمثل القرآن، ولما امتنع كذبوا في الكل.
البحث الخامس: قد ذكرنا أن القرآن معجز ولا شك فيه، فإن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثل ما يقرب منه عند التحدي فإما أن يكون كونه معجزاً لفصاحته وهو مذهب أكثر أهل السنة وإما أن يكون معجزاً لصرف الله عقول العقلاء عن الإتيان بمثله، وعقله ألسنتهم عن النطق بما يقرب منه، ومنع القادر من الإتيان بالمقدور كإتيان الواحد بفعل لا يقدر عليه غيره فإن من قال لغيره أنا أحرك هذا الجبل يستبعد منه، وكذا إذا قال إني أفعل فعلاً لا يقدر الخلق (معه) على حمل تفاحة من موضعها يستبعد منه على أن كل واحد فعل معجز إذا اتصل بالدعوى، وهذا مذهب بعض المتكلمين ولا فساد فيه وعلى أن يقال هو معجز بهما جميعاً.


{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)}
ومن هنا لا خلاف أن {أَمْ} ليست بمعنى بل، لكن أكثر المفسرين على أن المراد ما يقع في صدر الكلام من الاستفهام، إما بالهمزة فكأنه يقول أخلقوا من غير شيء أو هل، ويحتمل أن يقال هو على أصل الوضع للاستفهام الذي يقع في أثناء الكلام وتقديره أما خلقوا، أم خلقوا من غير شيء، أم هم الخالقون؟ وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ما وجه تعلق الآية بما قبلها؟ نقول لما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم ونسبوه إلى الكهانة والجنون والشعر وبرأه الله من ذلك، ذكر الدليل على صدقه إبطالاً لتكذيبهم وبدأ بأنفسهم، كأنه يقول كيف يكذبونه وفي أنفسهم دليل صدقه لأن قوله في ثلاثة أشياء في التوحيد والحشر والرسالة ففي أنفسهم ما يعلم به صدقه، وبيانه هو أنهم خلقوا وذلك دليل التوحيد لما بينا أن في كل شيء له آية، تدل على أنه واحد، وقد بينا وجهه مراراً فلا نعيده.
وأما الحشر فلأن الخلق الأول دليل على جواز الخلق الثاني وإمكانه، ويدل على ما ذكرنا أن الله تعالى ختم الاستفهامات بقوله: {أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور: 43].
المسألة الثانية: إذا كان الأمر على ما ذكرت فلم حذف قوله أما خلقوا؟ نقول: لظهور انتفاء ذلك ظهوراً لا يبقى معه للخلاف وجه، فإن قيل فلم لم يصدر بقوله أما خلقوا ويقول أم خلقوا من غير شيء؟ نقول ليعلم أن قبل هذا أمراً منفياً ظاهراً، وهذا المذكور قريب منه في ظهور البطلان فإن قيل قوله: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيء} أيضاً ظاهر البطلان، لأنهم علموا أنهم مخلوقون من تراب وماء ونطفة، نقول الأول أظهر في البطلان لأن كونهم غير مخلوقين أمر يكون مدعيه منكراً للضرورة فمنكره منكر لأمر ضروري.
المسألة الثالثة: ما المراد من قوله تعالى: {مِنْ غَيْرِ شَيء} نقول فيه وجوه المنقول منها أنهم خلقوا من غير خالق وقيل إنهم خلقوا لا لشيء عبثاً، وقيل إنهم خلقوا من غير أب وأم، ويحتمل أن يقال أم خلقوا من غير شيء، أي ألم يخلقوا من تراب أو من ماء، ودليله قوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ} [المرسلات: 20] ويحتمل أن يقال الاستفهام الثاني ليس بمعنى النفي بل هو بمعنى الإثبات قال الله تعالى: {ءأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون} [الواقعة: 59] و{ءأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزرعون} [الواقعة: 64] {ءأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المنشئون} [الواقعة: 72] كل ذلك في الأول منفي وفي الثاني مثبت كذلك هاهنا قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيء} أي الصادق هو هذا الثاني حينئذ، وهذا كما في قوله تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} [الإنسان: 1] فإن قيل كيف يكون ذلك الإثبات والآدمي خلق من تراب؟ نقول والتراب خلق من غير شيء، فالإنسان إذا نظرت إلى خلقه وأسندت النظر إلى ابتداء أمره وجدته خلق من غير شيء، أو نقول المراد أم خلقوا من غير شيء مذكور أو معتبر وهو الماء المهين.
المسألة الرابعة: ما الوجه في ذكر الأمور الثلاثة التي في الآية؟ نقول هي أمور مرتبة كل واحد منها يمنع القول بالوحدانية والحشر فاستفهم بها، وقال أما خلقوا أصلاً، ولذلك ينكرون القول بالتوحيد لانتفاء الإيجاد وهو الخلق، وينكرون الحشر لانتفاء الخلق الأول أم خلقوا من غير شيء، أي أم يقولون بأنهم خلقوا لا لشيء فلا إعادة، كما قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً} [المؤمنون: 115]. وعلى قولنا إن المراد خلقوا لا من تراب ولا من ماء فله وجه ظاهر، وهو أن الخلق إذا لم يكن من شيء بل يكون إيداعياً يخفي كونه مخلوقاً على بعض الأغبياء، ولهذا قال بعضهم السماء رفع اتفاقاً ووجد من غير خالق وأما الإنسان الذي يكون أولاً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحماً وعظماً لا يتمكن أحد من إنكاره بعد مشاهدة تغير أحواله فقال تعالى: {أَمْ خَلَقُواْ} بحيث يخفى عليهم وجه خلقهم بأن خلقوا ابتداء من غير سبق حالة عليهم يكونون فيها تراباً ولا ماء ولا نطفة ليس كذلك بل هم كانوا شيئاً من تلك الأشياء خلقوا منه خلقاً، فما خلقوا من غير شيء حتى ينكروا الوحدانية ولهذا قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أمهاتكم خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6] ولهذا أكثر الله من قوله: {خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} [الإنسان: 2] وقوله: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ} [المرسلات: 20] يتناول الأمرين المذكورين في هذا الموضع لأن قوله: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء} يحتمل أن يكون نفي المجموع بنفي الخلق فيكون كأنه قال: أخلقتم لا من ماء، وعلى قول من قال المراد منه أم خلقوا من غير شيء، أي من غير خالق ففيه ترتيب حسن أيضاً وذلك لأن نفي الصانع، إما أن يكون بنفي كون العالم مخلوقاً فلا يكون ممكناً، وإما أن يكون ممكناً لكن الممكن لا يكون محتاجاً فيقع الممكن من غير مؤثر وكلاهما محال.
وأما قوله تعالى: {أَمْ هُمُ الخالقون} فمعناه أهم الخالقون للخلق فيعجز الخالق بكثرة العمل، فإن دأب الإنسان أنه يعيا بالخلق، فما قولهم أما خلقوا فلا يثبت لهم إله ألبتة، أم خلقوا وخفي عليهم وجه الخلق أم جعلوا الخالق مثلهم فنسبوا إليه العجز، ومثل قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} [ق: 15] هذا بالنسبة إلى الحشر وأما بالنسبة إلى التوحيد فهو رد عليهم حيث قالوا الأمور مختلفة واختلاف الآثار يدل على اختلاف المؤثرات وقالوا: {أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا} [ص: 5] فقال تعالى: {أَمْ هُمُ الخالقون} حيث لا يقدر الخباز على الخياطة والخياط على البناء وكل واحد يشغله شأن عن شأن.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10